مدريد تبدأ نقل المهاجرين القُصّر من جزر الكناري لمنحهم الحماية
مدريد تبدأ نقل المهاجرين القُصّر من جزر الكناري لمنحهم الحماية
أعلنت الحكومة الإسبانية عزمها البدء بتنفيذ خطة عاجلة لنقل آلاف الأطفال المهاجرين غير المصحوبين بذويهم من نقاط الوصول الحدودية الأكثر اكتظاظًا، وعلى رأسها جزر الكناري وسبتة ومليلية، إلى مناطق أخرى في البلاد، بدءا من شهر أغسطس القادم، في خطوة غير مسبوقة تأتي استجابةً لأمر قضائي من المحكمة العليا.
وأطلقت وزيرة الشباب والأطفال الإسبانية سيرا ريغو، هذه المبادرة خلال مشاركتها في "المؤتمر القطاعي المعني بالأطفال والمراهقين" الذي عقد مؤخرا في العاصمة مدريد، حيث كشفت عن تسجيل 827 قاصرًا مهاجرًا حتى الآن ضمن نظام الاستقبال الدولي للحماية، ما يجعلهم للمرة الأولى تحت مسؤولية الدولة الإسبانية بأكملها، وليس فقط تحت رعاية الأقاليم الحدودية التي استقبلتهم، بحسب ما ذكر موقع "مهاجر نيوز"، الثلاثاء.
وأكدت الوزيرة أن هؤلاء القُصّر باتوا مشمولين ضمن إطار حماية الدولة المركزية، ما يضمن لهم حقوقًا إنسانية أساسية ويخفف من العبء الكبير الذي تتحمله جزر الكناري وغيرها من نقاط الوصول.
ضغط المحكمة العليا
استجابت الحكومة المركزية للأمر الصادر عن المحكمة العليا الإسبانية في وقت سابق من شهر يونيو، الذي طالب الدولة باتخاذ إجراءات فورية لمعالجة الاكتظاظ الحاد في مراكز رعاية القُصّر المهاجرين بجزر الكناري.
ولوّحت المحكمة بإمكانية فرض إجراءات قسرية ضد المسؤولين الرسميين في حال استمرار التأخر في التنفيذ.
وتُعد هذه الخطوة الأولى من نوعها منذ نحو 30 عامًا، كما وصفها ألفونسو كابيلو، المتحدث باسم حكومة جزر الكناري، في مؤتمر صحفي رسمي، معتبرًا إياها "بداية لعلاقة جديدة في ملف الهجرة بين الدولة المركزية والأقاليم".
دعم الاستقبال الإنساني
خصصت الحكومة الإسبانية مبلغ 22 مليون يورو لتعزيز قدرات الاستقبال في مناطق الضغط الشديد، جرى توزيعها كالتالي: 8.5 مليون يورو لجزر الكناري، 7 ملايين لسبتة، 4.5 مليون لمليلية، ومليونا يورو لجزر البليار.
وأُعلن أيضًا عن إحالة اللوائح التنفيذية لتعديل قانون الهجرة إلى حكومات الأقاليم لمواءمته مع هذه الخطة.
وذكرت وزارة الشباب والأطفال أن هذه الميزانية تُستكمل سنويًا منذ عام 2022، ضمن استراتيجية دعم الأقاليم المتضررة من الزيادة المتواصلة في أعداد القُصّر الوافدين.
تحليل حالات القُصّر
باشرت الحكومة المركزية، بالتعاون مع حكومة جزر الكناري، عملية تحليل فردي لحالات القُصّر بهدف توزيعهم على مناطق أخرى في البلاد، مع توفير ضمانات للحماية والرعاية والدمج المجتمعي.
وتُعقد الآمال على اعتماد باقي المراسيم الخاصة بنقل نحو 4300 قاصر إضافي خلال شهر يوليو، تمهيدًا لنقلهم بدءًا من أغسطس، بحسب ما صرحت به الوزيرة ريغو.
وأكدت ريغو أن الهدف الأساسي يتمثل في تفكيك الاكتظاظ داخل مراكز الرعاية، وضمان استفادة الأطفال من حقوقهم الأساسية في بيئات أكثر استقرارًا، بعيدًا عن أجواء الطوارئ التي تعاني منها الجزر.
تحذيرات من منظمات حقوقية
واجهت هذه المبادرة اعتراضات من حزب الشعب (PP) الذي يقود عدداً من حكومات الأقاليم، واعتبر الخطوة تفتقر للتنسيق.
وانتقدت الوزيرة ريغو ما وصفته بـ"المواقف المعرقلة" التي تبطئ تنفيذ خطة الإنقاذ، داعية إلى "تعاون مؤسساتي وانفتاح إنساني لمعالجة ملف الأطفال القادمين عبر الهجرة".
ونبّهت منظمة العفو الدولية في رسالة وجهتها مطلع العام الجاري للحكومة والأحزاب السياسية، إلى أن الاكتظاظ الشديد في 82 مركزًا لرعاية القُصّر في جزر الكناري يمثل "خطرًا إنسانيًا" يستوجب تدخلًا عاجلاً.
ودعت المنظمة إلى إقرار نظام وطني متكامل لتوزيع الأطفال بشكل منصف على الأقاليم.
وفيات على طرق الهجرة
سجّلت منظمة Caminando Fronteras غير الحكومية في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025 وفاة 1865 شخصًا أثناء محاولاتهم الوصول إلى إسبانيا عبر البحر، بدءًا من المحيط الأطلسي وحتى غرب البحر المتوسط. ويُعد هذا الرقم من أعلى معدلات الوفيات المرتبطة بالهجرة في أوروبا.
وذكرت المنظمة أن الكثير من الأطفال والمراهقين بين الضحايا، بعضهم كانوا يحاولون الوصول بمفردهم دون مرافقة عائلية، ما يزيد من هشاشة أوضاعهم بعد الوصول.
تمثّل هذه المبادرة خطوة مفصلية في نهج الدولة الإسبانية تجاه ملف الهجرة القُصّر، حيث تتحول من سياسة تعتمد على اللامركزية وتحميل الأقاليم العبء الأكبر، إلى نظام تضامني ووطني متكامل، يُعيد توزيع المسؤولية ويوسّع شبكة الحماية للأطفال المهاجرين في جميع أنحاء البلاد.
وتُعتبر هذه الخطة نموذجًا يمكن البناء عليه أوروبيًا، في ظل تفاقم أزمات الهجرة في البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، وازدياد الضغط على الدول الحدودية، وخاصةً تلك التي تُعد بوابة لإفريقيا نحو أوروبا مثل إسبانيا.